توجد في العالم العديد من الكنائس الرائعة التي تبرز من حيث الأسلوب المعماري و الأهمية التاريخية، و تُعد كاتدرائية كولونيا من أبرز هذه المعالم الدينية. فهي ليست مجرد مركز ديني، بل تُعتبر أيضًا إرثًا تاريخيًا و معماريًا هامًا، كما أنها من أروع النماذج المتبقية لفن العمارة القوطية.
كاتدرائية كولونيا (كولنير دوم) هي معلم تاريخي يقع في مدينة كولونيا الألمانية، و تُعد واحدة من أعظم الكنائس في العالم. بدأ بناؤها في عام 1248، و استمر على فترات متقطعة حتى اكتمل بعد 632 عامًا في عام 1880. بارتفاعها البالغ 157 مترًا، كانت لفترة طويلة أطول مبنى في العالم، و استمرت تحتفظ بهذا الرقم القياسي حتى تم بناء نصب و اشنطن في عام 1884.
تتميّز الكاتدرائية بطرازها القوطي الفريد، و الذي يتجلى في الزخارف الحجرية الدقيقة، و النوافذ الزجاجية الملوّنة، و الأقواس الضخمة، و البرجين الشاهقين. و تعد نوافذ الزجاج المعشق من أكثر العناصر إثارة للإعجاب – إذ إن بعض النوافذ تحتوي على زجاج يعود للقرن الثالث عشر، بينما أضيفت في عام 2007 نوافذ جديدة من تصميم الفنان الألماني الشهير غيرهارد ريختر، و هي عبارة عن فسيفساء مكوّنة من حوالي 11,000 قطعة زجاجية ملونة صغيرة، تُضفي على داخل الكاتدرائية تأثيرًا بصريًا فريدًا.
تُعتبر كاتدرائية كولونيا ليس فقط معجزة معمارية، بل أيضًا موقعًا دينيًا بالغ الأهمية. و من أبرز المقتنيات الدينية المحفوظة فيها تابوت المجوس الثلاثة، و هو ضريح مغطى بالذهب يُعتقد أنه يحتوي على رفات الحكماء الثلاثة الذين شهدوا ميلاد المسيح. و يُعد هذا التابوت من أهم الرموز المسيحية في العالم، و يجذب سنويًا آلاف الزوار من مختلف أنحاء العالم.
رغم القصف الشديد الذي تعرضت له مدينة كولونيا خلال الحرب العالمية الثانية، إلا أن الكاتدرائية نجت من الدمار الشامل بأعجوبة، و ظلّت شامخة في وسط المدينة المدمّرة، مما زاد من رمزيتها و قيمتها التاريخية.
تحتوي الكاتدرائية أيضًا على أحد أكبر الأجراس الكنسية في العالم، و هو جرس “بيتر” الذي يزن 24 طنًا و يُعد من أثقل الأجراس المتأرجحة في العالم. كما توجد تحت المبنى أنفاق و ممرات سرّية بُنيت في عصور تاريخية مختلفة، و يعتقد بعض الباحثين أن العديد من هذه الممرات لم يتم اكتشافها أو دراستها بعد.
بسبب نوعية الأحجار المستخدمة في بنائها، تتعرض و اجهات الكاتدرائية لتغير في اللون مع الزمن، فتأخذ مظهرًا قاتمًا يزيد من طابعها الغامض و التاريخي. و من اللافت أن بعض الخبراء يرون أن الكاتدرائية لم تُستكمل أبدًا فعليًا، لأنها تحتاج باستمرار إلى أعمال ترميم وصيانة.
للوصول إلى أبراج الكاتدرائية، يجب صعود 533 درجة، و لكن المنظر البانورامي الخلّاب الذي يكشف مدينة كولونيا من الأعلى يستحق هذا الجهد. و يزور الكاتدرائية ملايين السياح سنويًا، ليستمتعوا بأجوائها المهيبة و يشهدوا عظمة هذا المعلم التاريخي و الديني الفريد.